المغرب كما عرفته : ذكريات وصفحات ((1


تتفلب بذ اكرتي صفحات الماضي وتأبى الذكريات الا ان ترسخ في الذهن مقاومة كل شكل من اشكال الهجر والنسيان. فعلى عكس ما كنت اعتقده من كون طول البعد و مرور الايام قد يرمي بالذكريات في ابحر النسيان او على قول المعري :

يأتي على الخلقِ إصباحٌ وإمساءُ،           

وكلّنا لصروفِ الدّهرِ نَسّاءُ

فعلى العكس من ذلك, لم يفلح تتابع الشهور والاعوام التي قضيتها بعيدا عن المغرب من ان ينسيني صروف الدهر هاته بل كل ما حصل هو ان تقادم الايام زاد من ترسيخ الاحلام اذ فعل معي كمثل فعلته مع النبيذ : كلما ازداد قدمه كلما اشتد تأثيره. فكان حقا علي ان انادي بصوت غير خفي : اذا استطاع الدهر يوما ان يخرج جسدي من المغرب فانه لم ولن يفلح في اخراج المغرب من قلبي مهما طال الزمن ومهما اشتد على النفس الالم.

فبالرغم من ان سبب خروجي من المغرب كان قد تزامن مع فترة طبعها التوتر والازمات السياسية والاقتصادية لم اذق معها سوى طعم مرير كمرارة العلقم والذي نتج عنه ان سئمت تكاليف العيش بين جدرانه فضاقت علي الارض بما رحبت وضاقت علي نفسي كالثلاثة الذي خلفوا والذين تروي لنا قصتهم سورة التوبة في القرآن الكريم, وظننت حينها ان لاملجأ لي سوى البعد بالنفس الى مستقر جديد قد تتطلع فيه الى غد مجيد… فبالرغم من ذلك كله الا انني افاجأ بالنفس وهي تخاطبني كما خاطبت احمد شوقي نفسه قائلة :

 لَمّا     رَنا      حَدَّثَتني      النَفسُ        قائِلَةً »        « يا   وَيحَ   جَنبِكَ   بِالسَهمِ   المُصيبِ     رُمي

جَحَدتُها   وَكَتَمتُ    السَهمَ    في      كَبِدي »        « جُرحُ    الأَحِبَّةِ    عِندي    غَيرُ    ذي       أَلَمِ

ذلك بان المغرب الذي عرفته هوالمغرب الذي علمتني  الطفولة  عمق مبادئه وسحر جماله ناهيك عن حسن سريرة اهله. وهو المغرب الذي رباني على ايات تتلى على مسامعي بالمسجد المجاور لبيتي : وان تعفوا وتصفحوا فان ذلك من عزم الامور.

 فالتعلم على الصغر كما يقال كالنقش على الحجر قد يصعب بل يستحيل معه طمس الاثر.

فصار بذلك انه مهما طالت مدة الهجر خارج الوطن فان نفسي على غرار الانفس ظلت وفية لحبها الاول متطلعة الى يوم قد تعود فيه الى لمس التراب واستنشاق الهواء ومصافحة الايادي وزيارة الاهالي. فصدق من قال:

وحبّب أوطان الرجال إليهم

معاهد قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمو

عهود الصبا منها فحنّوا لذالكا

الى كل هؤلاء اقول :

اجل لنا من بعد هذا التفرق سبيل

 وان بدا للقاء منه اليوم تاجيل

فلرب صدفة لها القلب دليل

خير من ميعاد يوم قد يستحيل

فما على العاشق السقيم وزر

اذا  بات الصب به عليل

رمى به الهوى في ابحر

تعوج به امواجها وتميل

تحيتي الى اهل البيضاء

حبكم في قلبي ما له من مزيل

سلامي الىى ساكني الحمراء

هاذي ورود مني اليكم و اكاليل

عيوني على  البوغاز دوما مانسيتها

ولست ارضى سواه ببديل

كلكم مهجتي فردوا علي

بابهى تحية واعذب الاقاويل

فليعجل القدر لقياكم

ويسهل لقلبكم سبيل

 اليوم لم اجد ابلغ  في التعبير ولا اقرب في التبليغ عن مطمعي  من كلمات امانة عليك يا مركب التي اختم بها حديث النفس لهذه الليلة :

 أمان عليك يامركب وصلني لبـلادي المغـرب

وعفيني من غربة اعوام وفرح قلبي يامركـب

أمان عليك أمان عليك أمـان عليـك يامركـب

الظلمة مافارقت عيني من يوم ماغادرت المغرب

فينك ياجبال الأطلس فينـك يابـلاد الأعـراس

فينك يابحور البوغاز والشمس الـي ماتغـرب

يامركـب أحلامـي تقـدر أنــت تحققـهـا

تهون عليـك ألامـي وانـت تقـدر تخففهـا

وصلـنـي لـبـلادي وصلـنـي لـبــلادي

ننعم تانـي بنسمتهـا عايـش بيـن أوهامـي

انــام وأصـحــى عـلــى بسمـتـهـا

أمان عليك يامركب وصلني لبـلادي المغـرب

2 Replies to “المغرب كما عرفته : ذكريات وصفحات ((1”

  1. والله لتعجز الكلمات عن وصف إحساسي بعد قراءة هذه المقالة ، ولا أخفيك سرا إن قلت أن كلماتك قد زادتني حنينا للمغرب، رغم أنني أعيش بين أحضانه. فحبنا للمغرب سيظل راسخا في الذاكرة و القلب.

    تحية مغربية إلى عاشق المغرب.

    1. اشكرك عزيزتي عزيزي على كلماتك المعبرة وعلى تحيتك العطرة. اجل حب المغرب راسخ في اعماق الفؤاد لا يعرفه ملك امين فيكتبه ولا شيطان رجيم فيفسده. كيف لا و قد عشت بين حيطانه اجمل ايام الطفولة واعذب لحظات الشباب! كيف لا والذاكرة تكاد تجن كلما قلبت صفحات الماضي لتحضر اما عيناي المبتلتين صور الحي الشعبي درب السلطان وانا اركض عبر ازقته الضيقة المكتضة بالباعة المتجولين والسكان المرحين! كيف لا والف كيف لا…!؟

      Envoyé de mon iPhone

Laisser un commentaire